15 جوان 2014

اضواء على الرسالة المدنية- الجزء الرابع-

Posted in قضايا السلام, مقام الانسان, مراحل التقدم, المفاهيم, المبادىء, المجتمع الأنسانى, المرأة, المسقبل, المشورة, النضج, النظام العالمى, الأخلاق, الأديان العظيمة, الافلاس الروحى, التدين, التسامح, التعاون في 1:18 م بواسطة bahlmbyom

هذه مقتطفات من الرسالة التى خاطب بها حضرة” عبد البهاء” اهل ايران  فى نهاية الرسالة المدنية ، والسؤال هنا ماذا لو كان تم الأخذ بما فى هذه الرسالة لأهل ايران وللعالم ايضاً فالرسالة وان كانت كلماتها موجهة لبلد بعينه إلا ان مابها يجب التفكر فيه وأخذه فى عين الأعتبار لكل العالم.. اتصور انه لو تم العمل بما فى الرسالة  لتغيرملامح العالم  الى الأفضل ،ترى هل مازال لدينا الوقت لنتفكر نستطيع تدبر امرنا ؟ اتمنى ان تكون لدينا الرغبة فى التغيير الإيجابى نحو مستقبل أفضل وحضارة اكثر مدنية ونضج.

يا أهل إيران!

افتحوا أبصاركم ثمّ افتحوا آذانكم منزّهين من تقليد الأنفس المتوهّمة الّتي هي السّبب الأعظم لضلال الإنسان وضياعه وتدنّيه وجهالته، أدركوا حقيقة الأمور واسعوا في التّشبّث بوسائل حياتكم وسعادتكم وعظمتكم وعزّتكم بين أمم العالم وطوائفه، إنّ نسائم الرّبيع الحقيقيّ لتهبّ فتزيّنوا كأشجار البستان بالبراعم والأزهار، وإنّ أمطار الرّبيع لتفيض وتنهمر فترعرعوا كروضة الخلد، وإنّ نجم الصّبح قد أشرق فامضوا في المسلك المستقيم، وإنّ بحر العزّة موّاج فأسرعوا إلى شاطئه مقبلين ومقدمين، وإنّ معين الحياة الطّيبة ليتدفّق فلا تبقوا خاملين في بادية الظّمأ، فلتكن همّتكم عالية وأهدافكم عزيزة، إلام الكسل وإلام الغفلة؟ لا جدوى من التّرف إلاّ اليأس وانعدام الأمل في الآخرة والأولى، ولن تجدوا من التّعصّب الجاهليّ والاستماع إلى أقوال من لا عقل لهم ولا تفكير غير النّكبة والذّلّة، إنّ التّوفيقات الإلهيّة مسدّدة خطاكم والتّأييدات الرّبانيّة موفّقة لكم، فلم لا تهبّوا بأرواحكم ولا تجهدوا بنفوسكم؟

images2ومن بين الأمور المفتقرة إلى الإصلاحات التّامّة الكاملة هو منهاج تعلّم العلوم ونظام تحصيل المعارف والفنون، ذلك لأنّ منهاج العلوم والمعارف قد طرأ فيه الخلل والتّشويش نتيجة لانعدام النّظام بحيث أنّ الفنون الموجزة الّتي لا داعي لإسهابها قد طالت طولاً يتحتّم معه على المتعلّمين أن يقضوا المدّة المديدة من أعمارهم، ويبذلوا من جهد أذهانهم لأمور لا وجه لها من الثّبوت والتّحقّق وهي تخيّليّة بحتة، حيث أنّ ذلك يعتبر تعمّقًا في أفكار وأقوال لو أبصرناها بالبصيرة لثبت لنا واتّضح أنّها مطالب لم تكن جديرة بالاهتمام حتّى وإن وصفت بأنّها واقعيّة، بل هي أوهام محضة وتتابع تصوّرات لا فائدة فيها وتوالي ملاحظات لا طائل تحتها. ولا شبهة في أنّ الاشتغال بمثل هذه الأوهام والتّدقيق والبحث المستفيض في مثل هذه الأقوال ليس سببًا من أسباب إضاعة الوقت وإتلاف العمر فحسب بل هو مانع للإنسان يجعله محرومًا من تحصيل تلك المعارف والفنون الّتي تحتاج إليها الهيئة البشريّة. إذًا فلا بدّ للإنسان أن ينظر في كلّ فنّ قبل تحصيله ليرى ما فوائد ذلك الفنّ؟ وأيّة ثمرة يؤتيها وأيّة نتيجة تتأتّى منه، فإذا كان من العلوم المفيدة -أي من العلوم الّتي تتأتّى فيها الفوائد العامّة للهيئة البشريّة- وجب أن يبذل النّفس والنّفيس في تحصيله، أمّا إذا كان لا يعدو الأبحاث الّتي لا فائدة فيها والتّصوّرات المتواردة المتوالية الّتي لا نتيجة لها سوى النّزاع والجدال، فلماذا يقضي الإنسان حياته في المنازعات والمجادلات الّتي لا طائل تحتها؟ ولما كان هذا المطلب بحاجة إلى كثير من التّفصيل والتّمحيص الكامل لكي يثبت أن بعض العلوم الّتي لا يهتمون بها اليوم لهي ذات أهمّيّة قصوى، وكذلك يتّضح أنّ الأمّة لم تكن بحاجة، بأيّ وجه من الوجوه، إلى دراسة بعض الفنون الزّائدة، فإنّي سوف أفصّل ذلك في الجزء الثّاني من هذا الكتاب إن شاء الله. وإنّني لآمل أن تتأتّى من قراءة هذا الجزء الأوّل التّأثيرات الكاملة في أفكار الهيئة العامّة وأحوالها، ذلك لأن تأليف هذا الكتاب كان بدافع من نيّة خالصة لوجه الله. وبالرّغم من أنّ الّذين يميّزون بين الأفكار الصّادقة والأقوال الكاذبة في العالم نادرون ندرة الكبريت الأحمر، إلاّ أنّ أملي معقود بألطاف الله الأحد الّتي لا نهاية لها.

إنّ ألزم الأمور وأبدى الوسائل الملحّة هو توسيع دائرة المعارف، لا يتصوّر النّجاح والفلاح لأمّة من الأمم بدون تطوّر هذا الأمر المهمّ الأقوم، كما أنّ الجهل والسّفه أعظم باعث على انحطاط الأمم واضطراب أحوالها. وإنّنا لنرى أكثر الأهلين لا اطّلاع لهم على الأمور العاديّة، فما بالك بوقوفهم على حقائق الأمور الكلّيّة ودقائق المتطلّبات العصريّة، لهذا وجب أن تصنّف الرّسائل والكتب المفيدة الّتي تتناول بالبراهين القاطعة وتبيّن ما تحتاج إليه الأمة اليوم وما تتوقّف عليه سعادة البشريّة وتقدّمها، وأن تطبع هذه الرّسائل والكتب وتنشر في أنحاء المملكة حتّى تتفتّح عيون خواصّ الأمة وآذانهم بعض الشّيء لكي يجتهدوا في ما يؤدّي إلى عزّتهم المقدّسة. فإنّ نشر الأفكار العالية هو القوّة المحرّكة في شريان الوجود بل قل هو روح العالم، مثل الأفكار كمثل البحر اللّجّيّ ومثل أحوال الوجود وآثاره كمثل تعيّنات الأمواج وحدودها، فإن لم يتحرّك البحر هائجًا لم يرتفع الموج ولم يقذف بلآليء الحكمة على الشّاطئ

فيجب أن تتّجه الأفكار العامّة إلى ما هو لائق اليوم وهذا لا يتأتّى إلاّ بالتّبيان الكافي وإقامة الدّليل الواضح الوافي، ذلك لأن الأهلين البؤساء لا علم لهم عمّا يجري في العالم، ولا شبهة في أنّهم يسعون وراء ما يسعدهم آملين الوصول إليها غير أنّ حجاب الجهل حائل حاجز.

 وكذلك يجب أن تفتح دور الكتب المتعدّدة في جميع بلاد إيران حتّى القرى والقصبات الصّغيرة، وأن يحضّ الأهلون بكلّ وسيلة على تعليم الأطفال القراءة والكتابة، بل وأن يلزموا ذلك إلزامًا إذا اقتضى الأمر. فما لم تتحرّك عروق الأمّة وأعصابها كانت كلّ الوسائل عديمة الجدوى، ذلك لأنّ مثل الأمّة كمثل الجسم ومثل الغيرة والهمّة كمثل الرّوح ولا يتحرّك جسم بلا روح، إنّ هذه القوّة العظمى موجودة في طينة أهل إيران بأعظم قسط إلاّ أنّ توسيع دائرة المعارف هو المحرّك لها.

تأمّلوا قليلاً، لنفرض أنّ نفوسًا خلقت بالقدرة الإلهيّة في الأرض، فما من شكّ في أنّ تلك النّفوس محتاجة إلى مشاريع كثيرة لعزّتها وسعادتها واطمئنانها وراحتها، أمن الأهون أن تقتبس تلك الأمور من المخلوقات الأخرى الموجودة أم أن يحدثوا في كلّ قرن أمرًا من الأمور اللاّزمة لمعيشة البشر دون اقتباسهم من الآخرين؟ فإذا قيل إنّ أساس الرّقيّ وقوانينه ومبادئه في مدارج المدنيّة الكاملة العالية المعمول بها في الممالك الأخرى ليس ملائمًا لأحوال أهل إيران ولا لمقتضياتهم المألوفة، لهذا كان لزامًا أن يبذل مدبّرو الأمور في إيران نفسها الجهد البليغ لإجراء الإصلاحات الملائمة لحالة البلاد، وجب عليهم بادئ الأمر أن يبيّنوا الجهة الّتي يأتي الضّرر منها، أترى عمران البلاد وتمهيد الطّرق، والمسالك والتّمسك بوسائل تقوية الضّعفاء وإحياء الفقراء وإعداد مسبّبات تقدّم الجمهور وإكثار مواد ثروة النّاس وتوسيع دائرة المعارف وتنظيم الحكومة وحرّيّة الحقوق وتأمين النّفس والمال والعرض والشّرف ممّا يخالف أحوال أهل إيران؟ أما ما عدا أمثال هذه الأمور فمضرّته واضحة في كلّ مملكة بحيث لا تختصّ بمكان دون مكان.

إذًا فجميع هذه الأوهام تصدر عن عدم العقل والمعرفة وقلّة التّفكير والملاحظة، بل إنّ أكثر المعارضين والمتهاونين يسترون في الحقيقة أغراضهم الشّخصيّة تحت نقاب أقوال لا طائل منها، ويشوّشون عقول الأهالي البؤساء فيتظاهرون بكلمات لا تمتّ بصلة إلى ما يضمرونه في قلوبهم.

يا أهل إيران!

Four Hands Joined Together“طهّروا القلوب الّتي هي الوديعة الرّبانيّة من دنس الأنانيّة وزيّنوها بإكلّيل النّوايا الخالصة حتّى تطلع عزّة هذه الأمة الباهرة المقدّسة، وتتجلّى عظمتها السّرمديّة كتجلّي الصّبح الصّادق من مشرق الإقبال، فأيّام الحياة الدّنيويّة هذه أيّام قليلة، عمّا قريب تزول كالظّلّ الزّائل، فاجتهدوا حتّى تشملكم ألطاف الله الرّبّ الواحد وعنايته وتتركوا أثرًا طيّبًا في قلوب أخلافكم وذكرًا حسنًا على ألسنتهم «واجعل لي لسان صدق في الآخرين»

طوبى لنفس نسيت ذاتها وبذلت همّتها في سبيل منفعة الجمهور وبعناية الباري وتأييداته الصّمدانيّة ربحت قصب السّبق كالمقربين للعتبة الإلهيّة واستطاعت أن تبلغ بهذه الأمّة العظيمة أوج العزّة القديمة، وأن تمدّ هذا الإقليم الخامل بروح حياة طيّبة جديدة وأن تكون كالرّبيع الرّوحانيّ لأشجار النّفوس الإنسانيّة يزيّنها بأوراق السّعادة المقدّسة وأزهارها وأثمارها ويهبها النّضارة والزّهاء.