31 جويلية 2016

قوة الوحدة والاتحاد

Posted in إدارة الأزمة, النهج المستقبلى, الأنجازات, الأخلاق, الأديان العظيمة, الأزمة, الأضطرابات الراهنة, الافلاس الروحى, الانسان, البهائية, التسامح, التعاون, الجنس البشرى, الجامعة البهائية, الجانب الإيجابى, الخدمة, السلام, احلال السلام, اختلاف المفاهيم, ازدهار-المحبة-السلام-الوحدة في 1:51 م بواسطة bahlmbyom

images1 إن القوة التي بواسطتها سوف تتحقق وحدة العالم الإنسانى والمبادئ السامية لتقد البشرية تدريجيًا هي قوة الوحدة والاتحاد ، ورغم أن هذه حقيقة واضحة للبهائيين كل الوضوح ، إلا أن ما يعنيه هذا الاتحاد فيما يختص بالأزمة الراهنة للحضارة الإنسانية قد تفادها معظم الحوار الدائر اليوم بشأن هذا الموضوع . ولن تعارض إلا فئة قليلة من الناس القول إن المرض المستشري في العالم والذي يمتص دم الإنسانية ويفتُّ من عضدها ما هو إلا الفرق و وعدم الاتحاد .

فنشاهد مظاهر عدم الاتحاد في كل مكان وقد أصابت الإرادة السياسية بالشلل ، وأضعفت العزيمة الجماعية في السعي للتحول والتغيير ، ونفث السموم في العلاقات بين المواطنين والعلاقات بين الأديان . أليس من الغريب إذًا بعد حدوث سلسلة من الاضطرابات في عوالم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والأخلاق ، تمّت معالجتها وحُلّت بصورةٍ أو بأخرى ، أن نجد أن مبدأ الاتحاد لا يزال يُنظر إليه على أنه هدف يُرجى تحقيقه في المستقبل البعيد ، هذا إذا أمكن بلوغه . ولكن هذه الاضطرابات في حقيقتها ما هي إلا أعراض المرض ومضاعفاته ولست أصل المرض نفسه . والسؤال هنا : لماذا قُلبت الحقيقة من أساسها وتمّ تصديقها بصورة واسعة ؟

ولعل الجواب عن هذا السؤال هو أن السبب في ذلك هو الاعتقاد السائد أن المؤسسات الاجتماعية الموجودة حاليًا عاجزة كل العجز عن تحقيق أي اتحاد حقيقي يجمع القلوب والعقول بين أناس تختلف خبراتهم اختلافًا عميق الجذور .

وفي كل الأحوال فإن هذا الاعتراف الضمني هو خطوة محمودة تُمثِّل تقدمًا في التفكير في المفهوم الخاص بمراحل التطور الاجتماعي الذي كان سائدًا قبل عقود قليلة ماضية ، كما أنه سيكون ذا فوائد عملية محدودة في مواجهة التحديات القائمة .

إن الوحدة والاتحاد حالة من حالات النفس الإنسانية يدعمها ويُنمي قدراتها التعليم والتربية إضافة إلى ما يمكن تشريعه من قوانين . ولكم ذلك لن يحدث ما لم يصبح الاتحاد ذا كيان بارز ، وما لم يترسخ وجوده قوة نافذة ومؤثرة في حياة المجتمع .

فطبقة المثقفين من أنصار العولمة الذين تصوغ توصياتهم واقتراحاتهم المفاهيم المادية الخاطئة بالنسبة إلى ماهية الحقيقة ، يتشبثون بشدة بأمل أن تتمكن المحاولات الفذة لإعادة تنظيم المجتمع مدعومة بالمساومات السياسية من أن تُرجئ إلى أجل غير مسمى حدوث تلك الكوارث التي تلوح في الأفق مهددة مستقبل الجنس البشري ، وهي الكوارث التي لا ينكر خطرها إلا فئة قليلة من الناس . وفي هذا الصدد يُصرِّح حضرة بهاء الله قائلاً { إن مايمكن مشاهدته هو أن الجنس البشري بأسره محاط بالمصائب والآلام . فأولئك الذين أسكرهم غوى أنفسهم قد وقفوا حائلاً بين البشر وبين الطبيب الحاذق . فشاهِدوا كيف أوقعوا الناس بما فيهم أنفسهم في مكائدهم . فهم عاجزون عن اكتشاف أسباب المرض ولا يعرفون له علاجًا . } [1]

وحيث إن الاتحاد هو العلاج الشافي لأمراض العالم ، فإن مصدره الواحد الكيد هو إحياء الدين وأثره الخيِّر في المعاملات والشئون الإنسانية ، ويعلن حضرة بهاء الله أن المبادئ والأحكام التي أنزلها الله في هذا اليوم هي { السبب الأعظم والوسيلة الكبرى لظهور نيِّر الاتحاد وإشراقه . } [2] ويضيف أيضًا { كل ما يشاد على هذا الأساس لا تزعزعه حوادث الدنيا ولا يُقوِّض أركانه مدى الزمان . } [3]

في صميم الرسالة الإلهية التي جاء بها حضرة بهاء الله إذًا دعوة إلى خلق مجتمع عالمي موَّحد يعكس وحدة الجنس البشري . ففي نهاية المطاف إن جلّ ما يمكن الجامعة البهائية أن تسوقه من الأدلة لإثبات صدق دعوة حضرة بهاء الله هو أُنموذج الوحدة والاتحاد الذي أنتجته تعاليمه . فالدين البهائي وهو يدخل القرن الحادي والعشرين إنما يُمثِّل ظاهرة فريدة لم يشهد العالم لها مثيلاً .

فبعد عقود من الجهد تفاوتت فيه طفرات النمو وفترات الدعم والاستحكام طويلة الأمد ، إضافة إلى ما جابهته الجامعة البهائية في أغلب الأحيان من نكسات وعوائق ، نجد هذه الجامعة الآن وهي تضم عدة ملايين من البشر يمثِّلون تقريبًا كل خلفية إثنية وثقافية واجتماعية ودينية على وجه الأرض ، يقوم هؤلاء على إدارة شئونهم الجماعية عن طريق مؤسسات تُنتخب انتخابًا ديموقراطيًا ، دون أي تدخُل من قِبل رجال الدين .

فآلاف المراكز المحلية التي غرست هذه الجامعة جذورها فيها موجودة في كل دولة وإقليم ومجموعة من الجزر ذات الأهمية ، وهي تمتد من القطب الشمالي إلى ” تيارا دل فويغو ” ومن أفريقيا إلى المحيط الهادي . ولعله من غير المحتمل أن يعارض أحد من الناس على علم بالشواهد المتوافرة ، الرأي الذي يؤكد أن الجامعة البهائية تؤلف أكثر المجموعات البشرية تنوعًا وأوسعها انتشارًا من الناحية الجغرافية ، إذا ما قورنت بأية مجموعات بشرية مماثلة على هذا الكوكب .

دين الله واحد

—————————————————————————————————————

[1] ن . م     ص 138 : 139 .

[2] مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله . ص 28 .

[3] ن . م     ص 148 .

أضف تعليق