6 مارس 2009

مفهوم تعاقب المظاهر الإلهية….

Posted in قضايا السلام, مقام الانسان, القرون, الكوكب الارضى, المبادىء, المجتمع الأنسانى, المسقبل, النهج المستقبلى, النضج, النظام العالمى, الأنجازات, الأنسان, الأديان العظيمة, الافلاس الروحى, الانسان, البهائية, التفسيرات الخاطئة, التعصب tagged , , , , , , , في 8:11 ص بواسطة bahlmbyom

n605492650_1448130_3307

مفهوم تعاقب المظاهر الإلهية- الرسل الألهية –

إن مفهوم تعاقب المظاهر الإلهية يفرض الاهتمام كل الاهتمام بالاعتراف بالظهور الإلهي عند بزوغ نوره . وكان لفشل غالبية البشر مرة بعد أخرى في هذا المضمار نتائج تمثَّلت في أن جماهير غفيرة من الناس حُكم عليها بأن تخضع قسرًا للتمسك الشديد بالطقوس وتكرار مجموعة من الشعائر والوظائف الدينية عفى عليها الزمن واستنفذت أغراضها ، وباتت الآن مجرد عائق في سبيل أي تقدم معنوي . ومما يؤسف له في الوقت الحاضر أنّ فشل الاعتراف بالظهور الإلهي عند بزوغ نوره قد أدى إلى الإقلال من أهمية الدين والاستخفاف به . وفي اللحظة التي كانت الإنسانية تتطور تطورًا جماعيًا إذ واجهت تحديات عصر الحداثة ، كان مَعين الروحانية التي كانت الإنسانية تستقي منه وتعتمد عليه أصلاً في تنمية شجاعتها الأدبية وتنورها الفكري ، ينضب بسرعة ويتحول مادة للسخرية والتهكم . وقد حدث ذلك في بادئ الأمر على مستوى الأوساط صاحبة القرار في توجيه المجتمع ، ثم انتقل إلى أوساط متسعة الحلقات ضمَّت عامة الناس . ومما لا يدعو إلى كثير من الاستغراب هو أن هذه الخيانة التي تمثِّل أبشع أنواع التنكر للأمانة وأكثرها ضررًا والتي عانتها الإنسانية وزعزعت ثقتها ، قد نجحت على مادار الزمن في تقويض الأسس التي يقوم عليها الإيمان بالذات . ولهذا يحث حضرة بهاء الله مرة بعد أخرى أولئك الذين

يقرأون كتاباته على أن يفكروا مليًا في الدروس التي لقنها تكرار فشل الاعتراف بالمظهر الإلهي عند بزوغ فجر رسالته .

{ تدبروا الأن وتفكروا قليلاً لمَ اعترض العباد من بعد طلبهم وانتظارهم ؟! ماذا كان سبب اعتراض العباد واحترازهم .. ” وماذا كان سبب أمثال هذه الاختلافات تأملوا حينئذٍ ماذا كان سبب هذه الأفعال ؟ …. “ }

ولعل أبلغ الضرر الذي حاق بمفهوم الدين هو ما جاءت به الافتراضات اللاهوتية والفقهية ، فمن السمات الدائمة في تاريخ الفِرق والمذاهب الدينية هيمنة رجال الدين وسيطرتهم الكاملة . لقد كان من نتيجة غياب نصوص مقدسة تحدد مركز السلطة في النظام الديني تحديدًا لا مجال للخلاف فيه ، أن صفوة مختارة من رجال الدين نجحت في أن تنتحل حق التحكم في تفسير ما أراده الله لعباده بحيث لا يشاركهم فيه أحد .

ومهما اختلفت النيّات وتنوعت فإن الآثار المفجعة لذلك كانت في عرقلة تيار الوحي في الأذهان ، وتثبيط الهمم في مجال النشاطات الفكرية المستقلة ، وتركيز الاهتمام بصورة مطلقة على صغائر المسائل المتعلقة بالطقوس والشعائر ، وإثارة مشاعر الحقد والتعصب في أغلب الأحيان ضد اولئك الذين ينتهجون طريقًا مذهبيًا يختلف عن نهج من نصَّبوا أنفسهم قادة روحانيين . وفي حين لم يكن في إمكان أي شيء أن يَحول دون استمرار الواسطة الإلهية في القيام بوظائفها لرفع مستوى الوعي الإنساني وتقدمه ، ضاق مدى ما يمكن تحقيقه من الإنجازات في أي عصرٍ كان ، وانحسر انحسارًا مطردًا بسبب تلك العقبات الكأداء التي ابتدعها واصطنعها أولئك القادة الروحانيون .

وبمرور الوقت نجحت العلوم اللاهوتية والفقهية في أن تقيم لنفسها في قلب كل دين من الأديان الكبرى سلطة تضاهي في نفوذها سلطة التعاليم المُنزّلة التي قام عليها الدين إضافة إلى كونها معادية في روحها لتلك التعاليم .

ومن الأمثال المعروفة التي وردت على لسان السيد المسيح حكاية صاحب الأرض الذي زرع أرضه حنطة ، وهذه الحكاية تنطبق على المشكلة التي نحن بصددها وما يترتب عليها من نتائج في الوقت الحاضر ، فلقد جاء في الكتاب المقدس ما يلي :

{وقدم لهم مثلا أخر قائلا يشبه ملكوت السموات إنسانًا زرع زرعًا جيدًا في حقله ، وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زؤانًا في وسط الحنطة ومضى ” ولما جاء خدم صاحب الأرض واقترحوا أن يقتلعوا الزؤان أجابهم قائلاً : لا لئلا تقلعوا الحنطة مع الزؤان وأنتم تجمعونه . دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى الحصاد . وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولا الزؤان واحزموه حزمًا ليُحرق ، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني . ” }

أم القرآن الكريم فقد خص عبر صفحاته هيمنة أولئك الذين ينافسون الله فى سلطانه بالإدانة الشديدة لما يُحدثونه من أذى روحي ، كقوله تعالى :

{ قل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون .

إن أجيالاً من أهل الفقه واللاهوت قد وضعوا اليد على الدين وأقاموا من أنفسهم أوصياء عليه ، فكان عملهم ذلك خيانة دانتها النصوص المقدسة وحذرت منها بمنتهى الشدة . ومن سخريات القدر بالنسبة الى أصحاب الفكر الحديث أن يلجأ أهل الفكر واللاهوت أولئك إلى استخدام ذلك التحذير نفسه الوارد في تلك النصوص فاستغلوه سلاحًا في أيديهم للقضاء على أي اعتراض يوجَّه إليهم بخصوص اغتصابهم السلطة الإلهية .

وفي واقع الأمر أن كل مرحلة جديدة من المراحل التي تتكشف فيها مظاهر الحقيقة الروحية قد تجمدت في قالب الزمن وفي حُلل براقة من حرفية الصور والتفاسير جُلها مستعار من ثقافات عفى عليها الزمن واستنفذت معاييرها الأخلاقية .

ومهما كانت قيمة بعض المفاهيم في أزمان غابرة من تطور وعي الإنسان وتقدمه مثل المفاهيم المتعلقة بقيامة الجسد ، أو بفردوسٍ ملئ بما طاب من ملذات الدنيا ، أو اعتقاد بالرجعة والتناسخ ، أو عجائب الإيمان بوحدة الوجود ، أو غير ذلك من المفاهيم الأخرى ، فإن هذه المفاهيم كلها صارت اليوم بمنزلة حواجز تفصل الناس بعضهم عن بعض ، وتثير الصراعات بينهم في عصرٍ أصبحت الأرض فيه وطنًا واحدًا بكل معنى الكلمة ، وصار لزامًا على البشر أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم سكان هذا الوطن . ويمكن للمرء في هذا الإطار أن يُقدِّر حق قدرها الأسباب التي من أجلها وجّه حضرة بهاء الله إنذاراته شديدة اللهجة وتحذيراته بخصوص ما تقيمه العصبيات الدينية اللاهوتية والفقهية من الحواجز في سبيل أولئك الذين يبغون تفهم المشيئة الإلهية ، وفي هذا يتفضل حضرة بهاء الله قائلاً :

{ قل يا معشر العلماء لا تزنوا كتاب الله بما عندكم من القواعد والعلوم إنه لقسطاس الحق بين الخلق }

وفي لوح وجهه حضرته إلى البابا بيوس التاسع يخطر فيه الحَبر الأعظم بأن الله في هذا اليوم قد { خَزن ما اختار في أواعي العدل . } كل ما اصطفاه من مبادئ الدين الدائمة التي لا تتغير { وألقى في النار ما ينبغي لها . }